تعددت ادوات الكشف عن الموهبة ، وعن الموهوبين ، واختلفت باختلاف عوامل ذات صلة منها نوع الموهبة؛ علمية ، ادبية ، فنية ، وكذلك باختلاف عمر الموهوب ومستواه التعليمي. وقد كشفت نتائج الدراسات التي اجريت حول مدى فاعلية تلك الادوات في الكشف عن الموهوب من حيث السرعة والزمن والدقة ، وخلص بعضها الى انه لا يوجد اداة واحدة صالحة للكشف عن جميع المواهب ، ولكل المستويات التعليمية ، ولذا جرت العادة تطبيق اكثر من اداة ، ولعدة مرات، للتمكن من اكتشاف ما لدى الطلبة من مواهب كامنة ، او عاملة .
وان كانت الادوات المستخدمة حاليًا من اختبارات ومقاييس تفضي الى نتائج تتعلق بالموهبة من حيث نوعها ، ودرجة توفرها، ومدى توظيف الطالب الموهوب والمبدع في استخدامها للارتقاء بسلوكه المجرد او العملي الى مستوى الاتقان ، غير ان النتائج المتعلقة بالقياس والتقويم ما زالت قاصرة الى حد ما ، وهناك اخفاقات لدى الباحثين وذوي الشان في التمكن من اكتشاف الموهوب من بين اقرانه العاديين بصورة دقيقة ونوعية ، وما زال البحث والتجريب جاريًا في هذا المجال من طرف خبراء الموهبة ، واصحاب الاختصاص في مجال القياس والتقويم .
واذا نظرنا الى الاختبارات الالكترونية ، او الورقية ،
الصادقة الثابتة ، سواء منها ما اعد من الباحثين المبتدئين الذين يتدربون في مجال تطوير ادوات تساعد الخبراء والباحثين في اكتشاف اعداد الطلبة الموهوبين في مجال معين ، او الاختبارات المقننة ، والاختبارات المترجمة الى العربية
نجد ان هناك ثغرات في هذه الادوات تجعل من الصعب على بعض الباحثين والمهتمين بامر الموهبة الوصول الى الاهداف المتوخاة من تطبيقها بسهولة ويسر لابل تزداد نسبة الخطأ في هذه المقاييس والادوات المحلية والعالمية . نتيجة عدم ضبط العوامل المتدخلة التي تهدد مدى صحة عاملي الصدق والثبات ، ذات الصلة بالاداة ، فضلا عما يشوب بعض هذه الادوات من مواقفً مصطنعة ، ومؤثرات ومدخلات قيس افتراضية ، مما يقلل من كفاءتها في تحديد الموهوب ، ونوع الموهبة التي تتوفر لديه.
ولما كانت الموهبة سلوك ذهني مجرد ضمن منظومة انشطة الدماغ، ويظهر لدى صاحبها في شكل سلوكات عملية، واجرائية يمكن ملاحظتها وقياسها عبر مواقف الحياة العملية المختلفة كعمل اجهزة او نماذج او العاب من نوع ما، او افعال ملحوظة وملموسة كالرسم والنحت ، او انتاج بعض القصائد الشعرية او كتابة القصص والروايات ، والتمثيل ، فضلا عن ظهور اهتمامات خاصة بمجال من مجالات المعرفة ، كالاهتمام بإجراء تجارب علمية او محاولة الكتابة الحرة وفيها من النشاطات الحياتية عبر مواقف الحياة سواء اكان ذلك داخل المدرسة ام خارجها، لذا كانت المواقف الاختبارية هي الفرص الاكثر ملاءمة لتقصى مثل هذه المؤشرات الدالة على وجود موهبة من نوع ما لدى الفرد، اذ يظهر فيها الموهوب من السلوكات ما يدل على ما لديه من مواهب، وهي المؤشرات السلوكية الدالة .
وهنا لابد من توضيح المقصود بالاختبارات الموقفية الكاشفة، وكيفية تصميمها، واساليب تتبع ورصد المؤشرات السلوكية العملية التي تعكس سلوك الموهبة الذهني المجرد ، اذ نحن لا نستطيع في الغالب قياس سلوك الموهبة ذاته ، وانما تقيس الاثار الدالة عليه خارج البيئة الدماغية عبر نشاط الحواس ذات الصلة .
والاختبار الموقفي هنا بقصد اكتشاف الموهبة عند الموهوب هو عبارة عن توفير فرص العمل المناسبة التي تتيح للموهوب ان يظهر من الافعال ، والاعمال الملحوظة ، ما قد يسهم في رصد سلوك الموهبة غير المباشر .
ولذا يتطلب ذلك توفير ما يلي:
– تحديد جملة من المؤشرات السلوكية ذات الصلة بنوع الموهبة موضع التقصي، وتختلف باختلاف نوع وطبيعة الموهبة المستهدفة، ويمكن الرجوع في اشتقاقها الى مصادر المعرفة المتخصصة، ونتائج الابحاث ذات العلاقة، فضلا عن اراء الخبراء في هذا الشان ، لتكون هذه المؤشرات اساسا لبطاقة الملاحظة والرصد والتتبع،
– اختيار او تصميم سياقات ، يمارس فيها الطالب المتوقع امتلاكه للموهبة موضع الاكتشاف الوانا من النشاطات والاعمال الكاشفة. كتصميم نشاطات عملية او فرص تعلمية تعليمية عبر المنهاج الدراسي ، او تعريض الطالب او مجموعة الطلبة لبعض العروض الالكترونية او اليدوية لمشاهدتها ورصد ردود افعال الطلبة نحوها بما له صلة بالمؤشرات السلوكية مدار الرصد والتقصي.
– وجود ملاحظ تتوفر لديه فرص التفاعل مع الطلبة موضع الاكتشاف والقياس، ودقة الملاحظة ومهارات اخذ الملحوظات ورصد المؤشرات بعناية باستخدام اساليب التسجيل ثم تحليل المشاهدات، او استخدام بطاقات الملاحظة المعدة لذلك.
ويتوقف نجاح وفاعلية هذا الاسلوب من التقصي وما يتطلبه من ادوات قياس على الاتية:
* وعي الملاحظ لمفهوم الموهبة ومؤشراتها السلوكية.
* قدرة الملاحظ على اثارة ما لدى الطالب من افكار وميول ذات صلة بالموهبة المستهدفة، ومهارته في توظيف عناصر الموقف وما يشتمل عليه من محتويات او تجارب او عناصر ، في دفع الموهوب لاظهار ما لديه من انماط التفكير ذات الصلة.
* الدقة لدى الملاحظ في تحديد انماط السلوك ذي الصلة ورصده في بطاقة الملاحظة .
* قدرة الملاحظ على توفير اجواء حرة وآمنة للطلبة في اثناء تنفيذ النشاطات المختلفة العملية او القرائية او الكتابية او الحوارية ، والمخبرية ، والأدائية عبر المواقف ليتمكن الطلبة من التفاعل ، والاستجابة بصورة طبيعية بعيدًا عن الضغوطات النفسية .
ويمتاز هذا النوع من ادوات الكشف عن الموهوب عن غيره
بان المعلم او الراصد، يستطيع عبر النشاطات التي يمارسها الطلبة ان يكتشف ألوانًا من المواهب غير المستهدفة ، او ان تكون فرصة لتقصي سلوك الموهبة بعامة ، فضلا عن انها تتيح للمعلم مساحة اكبر من الرصد والتقصي نتيجة الممارسات المختلفة المركبة التي يقوم بها الطالب الموهوب عبر تنفيذ المهمة او النشاط الموقفي ، فهي ادوات تشخيص وقياس وتقويم في وقت واحد .
كذلك يمكن ان يتيح هذا النوع من الادوات للباحث او المعلم المتابع تصوير المواقف بعيدا عن احساس الطلبة ، ورصد جميع ما يقومون به من افعال ، وتحليلها وملاحظتها عدة مرات للتثبت من سلوك معين مستهدف، فضلا عن ان التصوير والتسجيل يتيح للمعلم فرص رصد استجابات غير مستهدفة قد تفيد في تحديد ادق لسلوكات ذات صلة بالموهبة لم تكن مستهدفة من عمليات الرصد المحددة ، وكل هذه الميزات فضلا عن التلقائية التي يظهرها الطلبة في مثل هذه المواقف التي تعزز احكامنا وتقييمنا لسلوك الموهبة مدار التحري .
ويمكن للباحث او المستكشف ان يمارس عمله مع لطلبة فرادى او في مجموعات بصورة حية ومباشرة وجهًا لوجه، او ان يمارس البحث والتقصي عن بعد ، ويمكنه ايضًا ان يستخدم مثيرات التفكير، والكشف كالاسئلة والتدريبات والمعالجات ، كذلك عن بعد بفعل التواصل بالصوت والصورة ، واستخدام اجهزة الحواسيب التعليمية الشخصية ، وهذا يتيح للبحث العلمي مساحات اكبر في المتابعة ، والتثبت من مدى توفر المؤشرات السلوكية ذات الصلة بالموهبة ، ومتابعةً مدى تمكن الموهوبين منها.
كما تعد المواقف الاختبارية او التشخيصية فرصًا إضافية جيدة لتوفير اجواء ومجالات ملائمة لعمل تطبيقات ذات صلة بالمواهب وانتاج عينات مبتكرة من طرف الموهوبين تحت اشراف المدرب ، وتقويمه ، والتعاون معه في تحسين المنتجات، والارتقاء بمستوى التطبيق ، وتوظيف تلك المواهب من اجل تحسين الحياة ، والتاسيس لتكون نتاجاتهم براءات اختراعات للموهوبين في المستقبل.
اضف الى ان مواقف الاكتشاف الالكترونية قد تتيح للمشرف والطالب الموهوب الاحتفاظ بصور عملية عن عمليات التشخيص والاكتشاف لفترة بقصد المراجعة ، واعادة النظر فيها بين الحين والاخر لاضافة ما يمكن اضافته من افكار جديدة الى التطبيق ، او المنتج المبتكر ، سعًا الى تحسينه والارتقاء بكفاءته، وتشجيع الموهوب على الرجوع الى اعماله المصورة بين الحين والاخر في محاولة لتطويرها ، وادخال ما يستجد عليها من المعارف والتطبيقات ذات الصلة. وفي ذات الوقت يستطيع الباحث ان يقيس مدى التقدم في سيرورة سلوك الموهبة لدى الفرد الموهوب، وبذلك تكون المواقف فرصا للكشف ، والرعاية ، والتقويم في ان معًا ، وربما يكون ذلك ما يميزها عن الاختبارات الالكترونية او الورقية التقليدية ؛ التي تكشف عن سلوكات محددة عبر عدد من الاسئلة المقالية او الموضوعية او الاختبارات المصورة ، او المثيرات المصنوعة ، ضمن ضوابط معينة من حيث الزمن والاجابةوالضبط والتحكم الذاتي. والتي تكون وسائل صماء صارمة مقابل المواقف ؛ التي تستند الى حرية الحركة ومحاولات التعلم في اجواء آمنة وظروف طبيعية ، تعكس ما لدى الموهوب من سلوكات قائمة ، ومستقرة الى حد ما ، وليست استجابات انية لمثيرات افتراضية ، و / او مصنوعة من واضع اداة اكتشاف الموهبة .
وتشير نتائج عديد الابحاث المتعلقة بالابداع والتفكير الابداعي الذي يستند الى الموهبة ان تعبير الموهوب عما لديه من ابداعات ، سواء اكانت افكارا او معاني او حلولا او تصورات ذهنية ، او اختراعات في مجال ما من مجالات الموهبة يتطلب وضع الفرد في مواقف حية طبيعية ، وتوفير درجة عالية من الامن ، والبدائل ومساحة من الحرية ، والابتعاد عن محاسبة الطالب على الخطأ ، والتعبير الذاتي بعيدًا عن الضغوطات ، وكل هذا يتجلى بوضوح في الاختبارات الموقفية التي تصمم سواء لاغراض التقويم ، ام لاغراض التشخيص والتحري لسمة او نشاط ذهني او ادائي من نوع ما ، وهذه السمات والخصائص تجعل من هذا النوع من الادوات اكثر فاعلية في مجال اكتشاف المواهب وتحيد اصحابها من بين الطلبة والافراد العاديين .
والله ولي التوفيق.
Prof. Nusr Hamdan Ali
Columbus, Ohio, USA