الرئيسية / Uncategorized / وقفة على مخرجات التعليم – أ.د حمدان علي نصر

وقفة على مخرجات التعليم – أ.د حمدان علي نصر

ولعل أبرز هموم الوطن والأمة ان التعليم في بلادنا ما زال تقليديّا من حيث الكيف والكم والهدف والوسيلة، وما زال التركيز في مناهجنا ومخرجاتنا التعليمية عبر مراحل التدريس المختلفة نظرية الشكل والمحتوى، محدودة التطبيق، مما أدى إلى وجود فائض من الخريجين سواء على مستوى المعاهد المتوسطة؛ ام على مستوى الجامعات، وإن العزوف عن الالتحاق بالتعليم المهني لم تنخفض نسبته عبر عقد من الزمن، على الرغم من التحسن الكبير في العالم بالانتقال من

التعليم النظري المعرفي إلى مجال التطبيق، وإعمار الكون بإحداث تغييرات نوعية أفضت إلى تحسين في مستوى الدخول، والارتقاء بجودة الحياة المعاصرة. ولا أرى سببا لهذا الجمود في الفكر التربوي لدى القادة والمتخصصين في هذا الشأن على الرغم من ازدياد الطلب والحاجة إلى القوى البشرية المدربة في مجالات الزراعة والصناعة والتقانة وغيرها من مجالات العمل التقليدية والمستجدة، مما أدى إلى زيادة نسبة البطالة، وزيادة العبء المالي على الأسر، ويحق لنا ان نتساءل ما إذا كان القائمون على إعداد الناشئة، وتكوينهم في المدارس والمعاهد والجامعات يمارسون إجراءات الإعداد وفق خطط ورؤى واضحة، آخذين بالاعتبار حاجات السوق، والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية المتجددة ؟ ام ان التعليم يجري عشوائيا تقليديا مما يحول دون إحداث نقلة نوعية ملموسة في هذا الشان؟

لماذا يكون الفائض بين الخريجين في تخصصات العلوم الإنسانية على مستوى البكالوريوس وعلى مستوى خريجي الدراسات العليا؟ وحتى في خريجي تخصصات الطب والهندسة والصيدلة، فضلا عن البطالة المقنعة التي تتمثل في ان الخريج لا يعمل في مجال تخصصه الذي درسه، بل يمارس أعمالا خارج هذا التخصص، مما أدى ويؤدي إلى مزيد من الإهدار التربوي. أليس هذا الواقع المؤلم والخطير مرجعه سوء التخطيط، وسوء إدارة الموارد والإمكانات المتوفرة؟! وعدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب؟ وإذا سلمنا بأن الوضع التعليمي في بلادنا في المستوى المقبول، والطبيعي على وفق المعايير الدولية النافذة؟ وإن كنت لا أصدق ذلك على أرض الواقع؟ فهل ترك التعليم على مختلف المستويات تغييرات إيجابية في سلوك الأفراد تؤشر على كفاءته ونوعيته؟ ولا أبالغ من واقع التجربة؛ إن الدرجات والمناصب الأكاديمية للأسف لم تُحدث تغييرا في المعاملة والانضباط الذاتي؛ فسرعان ما يأخذ العراك محله عبر حواراتنا ومناقشاتنا واحتكاكاتنا المجتمعية اليومية، فقد تجد من حملة الدكتوراه وأساتذة الجامعات من يشتم ويسب، ويستخدم أدوات الشجار التقليدية بمجرد وقوع اختلاف في الرأي، أو من أجل وقوع خطأ بسيط عفوي الحدوث! فهل تركت المؤهلات قدرا من الانضباطية في سلوك الخريجين؟ وهل هُذبت لغة الحوار لديهم وأكسبتهم المهارات العقلية والفنية اللازمة للحوار البناء؟ أم ما زلنا نحمل الشهادات والدرجات العلمية مغلفة بالتفكير القبلي والجهوي، وبالتفاهم والادعاء، والبعد عن الحس الإنساني وعن جوهر القيم العلمية التي تُعد أبرز إفرازات التعليم المعاصر في الدول التي تتطلع إلى ان يكون التعليم مدخلا لتحسين حياة الناس؟

لماذا نلمس من الطبيب الأجنبي تعاملا دمثا مع مريضه وتفهما عميقا لحالته، ووعيا كبيرا بأنه خادم للمريض بكل ما تعنيه الكلمة، ولابد ان يتحمل كامل مسؤوليته عن علاجه الجسدي والنفسي في إطار أدب التواصل الجم، في حين ان كثيرا من أطبائنا الخريجين من جامعاتنا ومعاهدنا ينظرون الى مرضاهم نظرة استعلاء وتكبر، ويُشعرون المريض بأنه لا قيمة له، ولا يبتسمون بوجهه إلا من أجل المال الذي أصبح ابتزازا، وأصبح الطب في بلادنا تجارة بشعة!! لماذا نتجاوز إشارة المرور الحمراء في شوارعنا دون اكتراث؟ في حين إذا ذهبنا الى دول الخليج أو الدول الغربية التزمنا وأظهرنا أجمل السلوكات وأفضل التعامل وأشد درجات الانضباطية؟ أليس التطبيق للعلم والمعرفة هو الهدف الأسمى من أي نظام تعليمي معتمد؟ لماذا

يزاحم أحدنا على الوقوف في الصف الأول لأداء الصلاة في المساجد والكنائس، وعندما يعود إلى متجره أو مهنته يمارس ألوان الظلم، والفحش في الربح، والغش في الصناعة، وهو يعلم ان الدين المعاملة، وان الله غني عن عبادتنا ولن ندخل الجنة بصلواتنا وصيامنا وزكواتنا وحدها، بل برحمة الله تعالى وشفاعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وان العبادة لله ولكن نتائجها هو الارتقاء بمستوى التواصل والتعامل مع الناس؟

لماذا يشيع بين الناشئة الكذب والنفاق والتلون بلا مبرر؟ وأين أدوار الأسرة والمدارس ومؤسسات المجتمع المدني في تكوين الناشئة كقوى بشرية فاعلة، منتمية؟ لماذا ينجح الناشئة في اختبارات بأسماء أشهر اللاعبين والممثلين والفنانين في حين يخفق معظمهم في معرفة ماله، وما عليه من حقوق وواجبات تجاه الله والذات والأهل والمجتمع، والوطن والأمة؟ لماذا يألف بعضنا العداء، والبغضاء، والمشاحنات مع الأهل والرفاق، ونحن أحوج ما نكون إليه وكلنا يرزح تحت نير العبودية، وظلم المحتل؟ لماذا يميل بعض خريجي معاهدنا العمل الفردي، وينأى بنفسه عن التعاون والعمل الجمعي؟ لماذا يستمتع بعض الناشئة من خريجي جامعاتنا بإلقاء النفايات وعلب السجائر والزجاجات الفارغة من سياراتهم في الشوارع؟ في حين يحسب ألف حساب لممارسة ذلك إذا كان في بيته أو يقود سيارته في شوارع المدن المحتلة؟! لماذا لا نستخدم عبارات الاعتذار عندما نخطيء، ونكابر بسلامة تصرفاتنا؟ علما ان من أفضل الفضائل الاعتراف والإقرار بالخطأ في حينه؟ ولماذا لا نتخلق بخلق الاسلام الذي يدعو إلى الحب والتسامح؟ في حين ان كثيرا منا يبدي العفو والتسامح حتى مع ألد أعدائه؟ أليس كل ما أشير اليه مؤشرات دالة على فشل نظامنا التربوي، وفشل سياساتنا التعليمية والتربوية؟ ومن يا ترى المسؤول عن ذلك؟ وإلى متى ننتظر على أمل ان تنخفض هذه الأمراض، والتشوهات في الناشئة من أبناء الأمة؟؟! وأين دور المثقفين وأئمة المساجد وأهل الفكر، وأهل اختصاص في التربية والسياسة وعلم الاجتماع.

وأختم بالسؤال هل ان معالجة هذه الاختلالات في نظامنا التربوي بعامة والتعليمي منه خاصة هي مسؤولية فردية أم مسؤولية مجتمعية جماعية؟ أدعو الله ان لا يصيبنا بسبب هذه الاختلالات التربوية ما تنبأ به سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه من حال بشعة متردية لا بل مزرية، والله المستعان.

ا.د حمدان علي نصر

كولمبس – اوهايو- امريكا

28/4/2019

عن المجلس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.