بقلم : الاستاذ الدكتور حمدان نصر استاذ المناهج والتدريس في جامعة اليرموك سابقًا- أوهايو- امريكا
لعلّ أكثر تعريفٍ جامعٍ شاملٍ للغة في الأدب ذي الصلة هو ما توصَّلَ إليه ابن جني من أنَّ اللغة َ أصواتُ يعبّرُ عنها كلُّ قومٍ عن أغراضهم . ويوضّح هذا التعريف ،طبيعة اللغة وماهيتها بانها أصوات ٌ، ذات صور منطوقة ، وفي اللغة العربية يبلغ عددها)”(28) حرفًا او وحدة صوتية صغيرة ، وكل وحدة منها لها تسع صور صوتية مختلفة ، ثلاث صور مع الحركات القصيرة ، وثلاث صور مع المدود ، وثلاث صور مع أشكال التنوين الضم والفتح والكسر ، امّا السكون فهي اداة ضبط ترسم ولا تنطق. وتشكل هذه الحروف وصورها الصوتية النظام الصوتي لهذه اللغة ، وتختلف الصور الصوتية المنطوقة ، من لغة لأخرى بحسب طبيعة الحرف وثقافة الأفراد الذين يستخدمون هذه الوحدات من لغتهم الأولى ، امّا من حيث الوظائف الاساسية لأي لغة من اللغات الحية فهي التعبير ؛ اي نقل الأفكار والمعاني من البنية الذهنية الى المتلقين الآخرين من ابناء اللغة الواحدة سواء أكان المتلقي فردًا ام مجموعة ، أما المكون الثالث لمفهوم اللغة العربية بانها ظاهرة اجتماعية ، اذ أشار صاحب التعريف الى ان المستخدمين والمبتكرين للغة هم القوم ، اي مجموعة من الأفراد المتجانسين تربطهم قواسم مشتركة أدت الى تسميتهم بالقوم . فيما يرى النقاد في ان المكون الرابع وهو ان اللغة اداة للتعبير والتواصل بغرض تحقيق أهداف واحتياجات في مجالات الحياة المختلفة ، وهي ما اطلق عليها بأغراضهم.
وهناك ما يشير الى ان لغة اي أمة هي مثل الكائن الحي تنمو ، وتتطور وتهرم ، وهي قابلة للتجديد، ولابد من الرعاية والاهتمام بها وفق الوسائل والأدوات المناسبة لتلك الصفة من مراجعة ، وبحث، وحذف وإضافة وهي أدوات التجديد والتنمية المستمرة ، لتبقى حية نامية متجددة ، تماما كالشجرة التي ترعي ويجري تقليمها وازالة ما هرم منها من أغصان واوراق ، لم تعد صالحة ومؤثرة في النمو الطبيعي لهذه الشجرة ، وكذلك الحال بالنسبة للغة ، فلابد من اجراء البحوث والدراسات لتحديد الكلمات والألفاظ الراكدة ، والمصطلحات والمفاهيم البائدة التي لم تعد صالحة لسد الحاجة لدى الأفراد بسبب التغيرات الثقافية ، التي تدخل مجالات حياة الامة ؛ السياسية منها والعسكرية والزراعية والطبية وغيرها مت أنشطة الحياة المتجددة ، وهذا الجهد يسهم بشكل او باخر في تنقيح اللغة من عدد من الألفاظ والعبارات والمصطلحات التي لم تعد مستخدمة من أفراد الامة أهل اللغة لسبب او لآخر . وتسمح في الوقت ذاته بإدخال الألفاظ والمصطلحات الجديدة التي جاءت مصاحبة للتطور العلمي والتقني وإفرازاته المختلفة نتيجة للتطور والنمو الطبيعي للمجتمع ، ونتيجة للتغييرات الثقافية بمستوياتها المختلفة ، ومن اجل ذلك وحرصًا على سيرورة النمو اللغوي ونمائية اللغة ، بفعل الدراسة والبحث وبروز حاجات واحتاجات مستجدة ، تفرض ذاتها على قوانين اللغة ، وانظمتها الصوتية والدلالية، والنحوية والصرفية، والمهارية وغيرها ، وعليه فان رعاية الامة للغتها القومية عملية يجب ان تكون مستمرة ، وقائمة على نتائج البحث العلمي ، والظروف والمستجدات التي تتعرض لها الامة.
وليس ادل على ذلك ان دولة مثل ألمانيا تجري مراجعة سنوية للمعاجم اللغوية المتخصصة، فتعيد طباعتها آخذة بالاعتبار ، اجراء عمليات حذف وتعديل وإضافة فيما يتعلق بالمفردات ، والمصطلحات والمفاهيم ، والمختصرات ، وعدد من التعبيرات اللغوية شائعة الاستخدام ،
أمّا نحن عربا وأصحاب لغة حية أصيلة ، مضى على استخدامها ما يزيد على الف عام هل تخضع لمثل هذه العمليات التجديدية لتمكين اللغة من مجاراة العصر واستيعاب العلوم الجديدة وثورة المعلومات والتقانة المتغيرة ، والمتجددة بتجدد آليات الاستعمال وأساليب التوظيف المتطورة ؟
قد تجري المجامع اللغوية في بعض الدول العربية شيئًا من المراجعات ذات الصلة ، غير اني اشك في ان مثل عمليات المراجعة والبحث المتعمق هذه تقع بصورة مباشرة وواسعة في معاجم اللغة المتخصصة. وان كثيرا من التجديدات في مجال المختصرات والمفاهيم والدلالات مازالت موروثة ، وعاملة في ميادين التوظيف بأساليب تقليدية متخلفة ، على الرغم من ان آلاف المفردات الجديدة سنويا تفرض نفسها على الساحة اللغوية ، وقلما يجري توظيفها في المناهج المدرسية ، على نطاق واسع بحيث تصبح مألوفة الاستعمال لدى الناشئة، ولا أقول ذلك جزافًا بل اعلم ذلك من واقع الخبرة في تصميم المناهج وتأليف الكتب المدرسية لسنوات طويلة وفي عديد الدول العربية ، على الرغم من أهمية هذه العملية في خدمة اللغة والإسهام في تمكين الناشئة من توظيف اللغة في الحياة اليومية .
دائما متألق بكلماتك العذبة الشجية دكتورنا الغالي
حفظك الله ورعاك
دائما متألق بكلماتك العذبة الشجية دكتورنا الحبيب
حفظك الله ورعاك