ان محور اي هدف من اهدافنا الحياتية هي المحبة ، وبدونها لن نبلغ الأهداف النبيلة مهما كان سعينا جادا ، فلولا حبنا للعلم ما سعينا نحوه الى أقصى الدنيا ، اطلبوا العلم من المهد الى اللحد ، اطلبوا العلم ولو في الصين ، ولولا المحبة ما غامرنا بالغالي والنفيس من اجل تحرير الأوطان، والله خلقنا أصلا على أساس المحبة بين الزوجين، فنحن نتاج محبة ، وليس نتاج كره او بغضاء، وتشير معظم الدراسات ذات الصلة ان محبة الطلبة لمعلمهم هي مفتاح التعلم التفاعلي ، يسهم بصورة او بأخرى في تعميق وعيهم، وفهمهم للمعرفة على صعوبتها والعكس صحيح ، ويزيد من مشاركتهم الفاعلة ، وعندما نكتب ونحاور من نحبهم عقليا، او روحيا او وجدانيا، فان ذلك يسهم في ابتكار ادوات الاتصال النوعية ، ويعمل هذا الحب في الإسراع في تشكيل الفهم المشترك للأشياء، والموضوعات مدار البحث والتناول ، وكيف يقدم الانسان روحه رخيصة دفاعا عن الأرض ، والعرض ،والكرامة، والحقِّ لولا حبه لها ، فما اجمل ان نعمل معال تفعيل منافذ الإحسان والخير الذي نحبُّ ،ونعشق فنعمل ، ونقدم الهبات والأموال والمساعدات لمن يحتاجها،او يطلبها ؛ حبًا لهم وحبا في مرضاة الله ، واستجابة لشرعه ، وتلبك لطلب المحتاج وأما السائل فلا تنهر، وأظن ان الحسنات التي سننالها لقاء اعمالنا بوازع الحب لا الخوف والإكراه ، هي اكثر بركة من حسنات ننالها بسبب الشفقة او الادعاء او حب الظهور أمام العامة ، ولذا امرنا الله ان نتصدق بأسلوب لا نجرح فيه كرامة السائل ، حبّا فيه ، وفي الله عز وجلَّ . ولذا فنجاح اية علاقة مهما كان نوعها يجب ان يتوفر فيها قدرا من الحب المتبادل ، بين الأطراف والشركاء ، وتأكيداً لهذا الافتراض فان كثيرا من العلاقات تفشل بسبب الكره، والبغضاء، فينقلب السحر على الساحر ، فما كان حبيب الامس في غياب الحب الصادق قد يتحول الى عدو اليوم ، فمن احبه الله وأودع فيه ألوان المحبة أودع فيه ألوان الرحمة، والبركة والإيثار والتضحية، وكلها قيم ومعانٍ على علاقة وثيقة بمفهوم المحبة، والمؤشرات السلوكية الدالة على توفرها لدى الفرد ، ولا أغالي ان قلت ان النجاح في المهنة او الصنعة او الحرفة مهما كان نوعها، لن يتحقق وينمو ويتطور كما ونوعا، ويصل به صاحبه الى مستوى الابداع، اذا فقد الحب العميق لمهنته وحرفته ، ووظيفته ، وللأسف على الرغم من أهمية الألفاظ والتعبيرات اللغوية المعبرة عن احاسيس الحب الكامنة، والمودعة في اي منا على أساس طبيعة الخلق، ودورها في الارتقاء بمستويات الحياة كافة، غير ان بعضهم يخجل او يبخل التعبير عن حبّهِ للآخر بتوظيف عبارة احبك ، او ما يكافئها من مفردات اللغة ، وما ذلك كله الا لان معظمنا لا يعي انعكاس تداول هذه العبارة في جعل حياتنا افضل ، وعلاقاتنا أوثق ، وكما نخشى استخدام عبارة اسف، كذلك نخجل من استخدام كلمة الحب او المحبة، في مواقف حياتنا سواء اكان ذلك داخل البيت او في أماكن العمل والإنتاج، لابل نتجاوز ذلك لنصل الى تعليم الاطفال بانها من الألفاظ المعيبة، وهو شكل من أشكال التخلف الثقافي، وسوء معرفتنا لتطبيق مباديء الاسلام ، ومضوئات السيرة النبوية الشريفة . على الرغم من ان الاسلام ديننا الحنيف يقوم في جوهره، وتطبيقه في الحياة، على محبة الانسان لاخيه الانسان ، واذا ما جرى التعمق في مدلولات منظومة الألفاظ المرتبطة بقيمة الحب ، اداة تعزيز ، وحفز ووسيلة لعلاج النفوس والقلوب ، فاننا سنقف في النهاية على ان الحياة هي الحب ذاته ، في أسمى معانيه ، وان لا حياة بلا حبّ، لابل فان توظيف الحب ومعانيه بالأساليب الحضارية ، يولد لدى الأقران على اختلاف أنواعهم مزيدا من قيم الصدق والوفاء والتضحية والاحترام ، واذا كانت الحيوانات تالف المختلف من أقرانها، وكذلك الطيور والأسماك، فما بالك بالإنسان الذي خلقه الله في احسن تقويم ، فالأجدر بنا ان نحبَّ نحن بني البشر بعضنا بعضًا ، وان نخبر من نحبهم بذلك لتقوية اواصر القربى، وتمتين العلاقات بيننا وتكوين الفهم المشترك ، حيال القضايا ذات الاهتمام المشترك، اخذين بالاعتبار ان ممارسة الحب بانواعه ومجالاته ومستوياته المختلفة ينقلنا الى العالمية، والإحساس باننا على هذه الأرض اخوة متحابين على الرغم من اختلافنا في الديانات والاثنيات ، والثقافات ، وعليه فإنني اسال الله لي ولكم ، في هذه الايام المباركة ان يملأ قلوبنا واياكم حبًا جمًا، لمن له صلة بنا ، ومن تجمعنا بهم شراكات، ووشائج قربى وعلاقات مختلفة ، وأرجو الله ان يسود الحبُّ مجتمعاتنا المحلية والقومية وهو ما يجعلنا اكثر قربى وأوثق صلات ، مصداقًا لقول رسولنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم : مثل المؤمنين في (توادهم) وتراحمهم ، كمثل الجسد الواحد، اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر .
الاستاذ الدكتور حمدان ناصر