إنَّ العَيْنَ لَتدمع وَإِنَّ القلبَ لَيحزَن وَإِنَّا على فراقك لمحزونون .
قد كان خبر وفاة البروفيسور فتحي جروان صاعقة على مسمعي وغيري من أرجاء الأردن والوطن العربي والعالَم بأسرِه،
فقد كان رحمه الله قامة وطنية عملاقة ، شامخة شموخ جبال الشراة، كان من العُلَماء الأفذاذ الذين قدَّموا للبشرية جمعاء العِلْم وصناعة الإبداع،
فقضى خمسة وسبعين عاماً من الزمن في هذه الفانية مُكرِّساً جُلَّ حياته للتربية والتعليم وصناعة الإبداع.
فكان يقول رحمه الله بواسع رحمته، لقد كرَّمني الباري عزَّ وجل بأن أقضي حياتي كلها في إكتشاف الموهوبين والمتفوقين وأعمل على الأخذ بأيديهم إلى العلياء في تحقيق الإبتكار والإبداع ،
أفضل عندي من الدنيا وما فيها، وقد تحقَّق ذلك في كثير من المجالات ، العلمية والأدبية والإبتكار والإبداع، من خلال تحقيق كثير من الطلبة الجوائز العلمية والأدبية العالمية ومنها جوائز نوبل.
وكان يُضيف رحمه الله، ومع أنني عرفت طرق الثروة وسُبل إكثار المال الحلال فإن عِشقي فيما أنعمَه الله عليَّ بإكتشاف الموهوبين والمتفوقين والأخذ بأيديهم إلى القمة نحاني عن عالم التجارة وطُرق جمع الثروة، فأبدَلني الله بأكياس الأوراق النقدية في البنوك والخزائن الحديدية بما هو أثمن..!! وجعلني أجمع أوراقاً بها ذوب مهجتي وأسهر حين الناس في الليل نوم ..!!
فأصبحت كُتبه ومؤلفاته أكثر شاهد على ذلك. والتي سادت العالم بإهتمام العالم أجمع بها لحاجته إليها.
يُضاف إلى أنَّ البروفيسور فتحي جروان كان رحمه الله الأول أكاديمياً في جميع مراحل دراسته حتى حصوله على شهادة الدكتوراة من الولايات المتحدة الأمريكية كانت مرتبته الأولى على ١٤٢ جامعة أمريكية آنذاك،
وقد أخذت الحكومة الأمريكية النظام التربوي الذي إقترحه وقدَّم رسالته فيه لدرجة الدكتوراة،
وما زالت تُطبِّقه حتى الان في تنشئة أجيالها لمَ يتضمن من إبداع وتميٌُز في خَلْق جيل مبدع لديهم!!!.
كل ذلك، لم يجعل جمع الثروة من أولوياته ، بل كرَّس جُل وقته الثمين وإهتمامه لصناعة الإبداع على مستوى الوطن العربي وإكتشاف الموهوبين والمتفوقين والعمل على تقديم الأفضل لهم للوصول بهم إلى القمة بالإبتكار والعِلم والمعرفة .
فكان العِلْم في نظره الرمز المقدَّس والذي في سبيله يهون كل غالٍ ونفيس.
كان البروفيسور فتحي جروان وهو القامة الوطنية الشامخة، والهَرَم الضخم، وتلك الدوحة الباسقة متواضعاً،
عفيف القلم واليد واللسان، لا يستعمل العصا لصد المتسلقين على قمته، فثمار فكره لا تُطالها أصابعهم، إنما هي ثمار يانعة ،
مشاعة لأيدي العلماء الطاهرة، فاللجام بيده جاهزاً، ومعرفته وثقافته واسعة ، وعِلمه غزير .
ذكر لي رحمه الله ذات غير مرة، أنَّه قد رفض حقيبة وزارة التربية والتعليم وأخرى وزارة التعليم العالي في إحدى مراحل حياته لإنشغاله التام في تأسيس وتكوين مدرسة اليوبيل ،
لتكون المدرسة الأردنية العملاقة على مستوى العالم . وفعلاً قد حقَّق هدفه في إيجاد المدرسة الأردنية العملاقة على مستوى العالم.
وأما علاقته المميزة، فكانت بالمغفور له بإذن الله الملك الحسين إبن طلال طيَّب الله ثراه، والملكة نور الحسين المعظمة وسمو الأمير الحسن إبن طلال المعظم.
وكان جلالة الملك الحسين إبن طلال طيَٓب الله ثراه يقول له،
” أُطلب حاجتك ولا تخجل، فهي مقضية بإذن الله”، ولكنه لم يطلب لنفسه شيئاً، إلا ما يخدم لتحقيق هدفه في صناعة الإبداع الأردني من خلال مدرسة اليوبيل،
لتكون مدرسة اليوبيل إنطلاقة نوعية جديدة في صناعة الإبداع والإبتكار الأردني ومنارة عِلْم يُحتذى بها.
ولم يقف عطاؤه عهد هذا الحد رحمه الله، بل أنشأ المجلس العربي للموهوبين والمتفوقين والذي ما زال رائداً وشاهداً في صناعة الإبداع العربي ليكون بصمة إبداعٍ تركها رحمة الله عليه البروفيسور فتحي جروان في خدمة العالم العربي.
أكرم جروان